الخميس، 14 مارس 2019

العالم الرباني الداعية الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي



هو العالم الجليل الداعية د. محمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي، الذي عاش راهباً في صومعة العلم ومحراب الدعوة، يؤلف، ويحقق، وينشر العلم، ويحاضر.  قضى ما يقرب من نصف عمره بالبحث والتحقيق في أوروبا ودول الشرق الأوسط .  له تبحر باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية والتركية وله مؤلفات قيمة بهذه اللغات يبلغ عددها 175 كتاباً. وله مئات المقالات في القرآن والسيرة النبوية والفقه والتاريخ والحقوق والمكاتيب وغيرها.
أسرته ونسبه :
وهو من أسرة النوائط وكانت هاجرت من الحجاز إلى البصرة خوفا من بطش الحجاج بن يوسف، ثم استقر المقام بسلالتها في الهند خلال القرن الثامن الهجري. وتحدَّر من هذه الدوحة النبيلة قضاةٌ ورجال دولة، وعلماء أعلام ذاع صيتهم في الهند على مدى قرون من الحكم الإسلامي لها. وكان من آخرهم الشيخ حبيب الله أخو الدكتور محمد حميد الله الأكبر، وهو مترجم كتاب (أنساب الأشراف) للبلاذري إلى اللغة الأوردية، والشيخة أمَة العزيز، أخته الكبرى، ومترجِمة (شرح النووي على صحيح مسلم) إلى الأوردية.
ولد محمد حميد الله في حيدر آباد الهند يوم 16 محرم 1326 هـ/ المصادف 1908 م.
تلقّى العلوم الإسلامية واللغة العربية من المدرسة النظامية «بحيدر آباد»، ودرس اللغة الإنجليزية بجهوده الذاتية. ودخل قسم الدراسات الإسلامية بـ«الجامعة العثمانية» وأنهى البكالوريا بتقدير ممتاز. وواصل دراساته في القانون وحصل على الماجستير عام 1930. ثم نال منحة التحقيقات العلمية من «الجامعة العثمانية» وبدأ يعمل في التحقيق في موضوع القانون الإسلامي العالمي. ولم يلبث أن اُنتخب سكرتيرًا لجمعية القانون في الجامعة وقد حالفه الحظ لمنحة من «جامعة بون» بألمانيا، لمواصلة دراساته هناك. كما أن الجامعة العثمانية تفضلت باستمرار منحتها إياه لدراساته التحقيقية في «ألمانيا». وفي خلال دراسته هناك نال الدكتوراه من جامعة «بون» لرسالة أعدها بعنوان «العلاقات الدولية في الإسلام» ولما انتهت مدة منحته الجامعية سافر إلى «بريطانيا» ومنها إلى «باريس»، وحصل على شهادة دكتوراه ثانيةً من جامعة السوربون بمقالة قدمها بعنوان «مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي وفي الخلافة الراشدة». ثم رجع إلى «حيدر آباد» والتحق «بالجامعة العثمانية» أستاذًا في «قسم الدين»، ثم عُيّن في «قسم القانون الدولي». وظل يخدم فيها حتى اُختير عضوًا في وفد رسمي يمثل حكومة «حيدر آباد» إلى الأمم المتحدة سنة 1948. وذلك لعرض قضية استقلال «حيدر آباد» وعدم رغبتها بالانضمام إلى الكيان الهندي؛ ولكن الحكومة الهندية المستقلة ضمتها قسرًا إلى جمهورية الهند قبل أن تتم مفاوضة أعضاء الوفد. ثم رجع جميع أعضاء الوفد إلى الهند وبقي هو هناك وآثر الإقامة في «باريس».

وقد استقى الدكتور «حميد الله» العلوم من الأساتذة الكبار في أيامه من أمثال «مناظر أحسن» الكيلاني، والمولوي «عبد الحق»، والأستاذ «عبد القدير» الصديقي،  والأستاذ «عبد المجيد» الصديقي، والمفتي «عبد اللطيف»، والمولوي «صبغة الله»، والدكتور سيد «عبد اللطيف»، و«حسين علي» ميرزا، مما ساعده على تكوين عقلية واعية وشخصية علمية عالية. ولما استقر رأيه على البقاء في «باريس» التحق بالمعهد القومي للأبحاث العلمية، وبقي هناك على منحة مركز أبحاث الدراسات الشرقية (Oriental studies research centre) ولم يلبث أن حصل على منحة أخرى من المركز الوطني للتحقيق العلمي (National centre for scientific research) استمرت لعشرين سنةً .
وفي خلال هذه الفترة ألقى محاضرات في مختلف الجامعات في العالم، وأسهم في وضع القوانين وخطة التعليم لحكومة «باكستان».
وقد ظل طوال عمره المديد معطاءً غزير التأليف، ولم يتوقف عن العمل إلا بعد أن صار طريحًا للفراش لسنتين قبل وفاته، حيث كان مع ابنة أخته في الولايات المتحدة .
ولم يتزوج رحمه الله، بل تفرغ للعلم والبحث والتأليف . وعندما استقر في «باريس» لم يكن فيها أحد ممن يتحدث عن الإسلام سوى زمرة من المستشرقين.     ولما كثرت وفود الطلبة من البلاد العربية إلى «باريس» بادر إلى تأسيس جمعية الطلبة المسلمين، حفظاً لكيانهم الإسلامي وحمايةً لهم من الذوبان في ثقافة البلاد المضيفة .
ومن أبرز إسهامات «حميد الله» تأسيسه مبدأ الحياد في القانون الدولي الإسلامي. كما أن له الفضل في إدخال مصطلحات جديدة في القاموس الإسلامي مثل دولة المدينة ودستور المدينة، ونال أعلى جائزة من جمهورية «باكستان» لأعماله المميزة في السيرة.
وعمل أستاذًا زائرًا في كلية الإلــهيات بجامعة «إستنبول»، وكان يعرف باثنتين وعشرين لغةً، درس الأخيرة منها ، وهو في الثانية والثمانين من عمره.
وكان له قدرة فائقة في التأليف في سبع لغات - في «العربية» و «الألمانية» و«الأردية» و«الفرنسية» و«التركية» و«الفارسية» و«الإنجليزية».
ونظرًا لبحوثه القيمة وإسهاماته الجليلة في الدراسات الإسلامية المقارنة رشح اسمه لجائزة الملك فيصل عام 1994م؛ ولكنه اعتذر إليهم عن قبولها .
ودعاه الرئيس الباكستاني السابق الجنرل «محمد ضياء الحق» إلى إلقاء سلسلة من المحاضرات في جامعة «بهاولفور» في سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بمناسبة مرور 1400 عام بعد الهجرة .

وقام بها حق قيام. كما أنه ألقى المحاضرات في جامعة «باريس» وجامعات «ألمانيا» وجامعات «استنبول» و«أنقرة» و«كوالالمبور» و« باكستان ».

أعماله العربية :
تتميز أعماله العلمية وأبحاثه بالأصالة ودقة العرض والشمولية، وكان موضوعه المحبب إليه السيرة النبوية، وقد طبع له أكثر من ألف مقال، كما طبع أكثر من مائة وخمسة وسبعين من كتبه ورسائله. ومعظم كتاباته حول الإسلام والقانون الإسلامي، والسيرة النبوية والرد على الشبهات حول الإسلام.
ومن أهم أعماله ترجمة القرآن إلى اللغة الفرنسية .
وفي السيرة نشر «صحيفة همام بن منبه» عن مخطوطة برلين بعد أن حققها وعلق عليها مع مقدمة في تاريخ تدوين الحديث وطُبعت في «بيروت».
وتحتوي هذه الصحيفة على أحاديث كتبها أبو هريرة الصحابي الشهير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعرف بالصحيفة الصحيحة، ثم نقلها عنه تلميذه «همام بن منبه».    وهذا أقدم ما وصل إلينا كتابةً عن النبي. وقد عثر الدكتور «حميد الله» على مخطوطاتها ببرلين في أثناء دراسته في «ألمانيا».
ثم دله الدكتور «زبير أحمد» الصديقي على نسخة أخرى للصحيفة في المكتبة الظاهرية «بدمشق»، فحقق الدكتور هذه الصحيفة وقارن بين نسختيها، وكتب مقدمةً ضافيةً في تدوين الحديث وكتابته في العهد النبوي، وأثبت بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة أن الحديث كان يُكتب في أيام الرسول، كما أن النبي كتب كتابًا للمهاجرين والأنصار واليهود للتعامل بينهم.
وهو يعتبر أول وثيقة دستورية للدولة الإسلامية التي كان رئيسها النبي صلى الله عليه وسلم .
هكذا فند الدكتور حميد الله المزاعم الباطلة التي ينشرها أعداء الدين، إذ يقولون: إن الأحاديث لم تُكتب إلا بعد القرن الثالث الهجري. وخرج أحاديثها التي يبلغ عددها / 138 / حديثًا.
وهذه الصحيفة ترجمت إلى «الأردية» و«الفرنسية» و«الإنجليزية» و«التركية» .


مكانته العلمية:

لا تحتاج أوساط العلم المعاصرة ودوائر التحقيق الشرقية والغربية الجادة اليوم إلى تعريف بشخصية جامعة عملاقة كالدكتور محمد حميد الله ومآثره العلمية الجليلة وبمكانته الفكرية السامية. فكان القرن العشرون باستثناء بعض السنوات قرنه كاملاً. وقد قضى حياته الطيبة كلها بسذاجة وطهارة، فما اشتغل بالدنيا الدنينة قط إلا رسماً وتكلفاً، فلم تتح له فرصة الزواج على غرار بعض السلف في التاريخ الإسلامي، وما بنى له داراً. غادر وطنه المألوف حيدر آباد الدكن بعد الاحتلال الهندي لها مغادرة لم تنته حتى وافته المنية عام 2002، و لم يحصل كذلك على جنسية لبلد آخر، ولم يؤسس دكاناً ولا داراً ولا ضيعة، وعاش حياته في شقة مستأجرة متواضعة، حيث لم تتوفر الأثاث الفاخر ولا أسباب الترف، يتراكم فيها الكتب والمجلدات بحيث لا تعد ولا تحصى حتى لا تتواجد فيها دار الضيافة والرعاية التقليدية، لأنه كان يكتفي من طعام وشراب بما يسد رمقه ويبقى على قيد الحياة. وقد هجر أكل اللحوم منذ أزمان بعيدة، فيعيش على البقول والخضراوات ويكتفي ببعض البدلات من الملابس سائر فصول السنة طوال حياته. كان يقوم بجميع أعماله بنفسه مستغنياً عن الخدم ، يحرر مكاتيبه بنفسه، يستخدم في الكتابة القطع الصغير من الأوراق ويكتب بخط دقيق ويملأ الصفحة كلها حتى لا يضيع شيء، ويستغل أقل مساحة لأطول مبحث. وعليه فإنه يعطى للدين كله دون أن يأخذ من الدنيا شيئا. عاش عيشة عابر سبيل يصدق عليها قول الرسول الكريم «مالي وللدنيا، وما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها».

عاش الدكتور محمد حميد الله حياته كلها بعد مغادرة مدينة حيدر آباد الدكن في سفر متواصل دائم، وكان يلم ويمر بكل بقعة من بقاع العالم سوى الدولة الآصفية (الدكن المحتلة) وأرض الفرنج الغاصبين، فكان يزور كل البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. و كان يبقى مرتبطاً بخاصة برجالات العلم في العالم الإسلامي وبالمعاهد العلمية والبحثية والجامعات الهامة في تواصل دائم. وكل ما قام فردياً لتنمية العلم والتحقيق (يقتضي تفصيله بحثاً مستقلاً موسعاً) ما هو في جلالته قدره، إلا أنه من جلائل أعماله وخوالد آثاره أنه ظل طوال عمره متصلاً بالمشاريع العلمية والتعليمية والتحقيقية عبر العالم متعاوناً ومشيراً ومرشداً. وحظيت على وجه الخصوص المعاهد الإسلامية الدعوية والمساجد والجامعات التي تعنى بتدريس وتحقيق العلوم الإسلامية من القرآن والحديث وغيرهما من علوم الدين، بتعاونه العلمي الدؤوب وتقديره وتشجيعه المتواصل، لأنه كان مسلماً مؤمناً وعالماً محققاً خدم العلم طوال عمره عن طواعية ورغبة وإخلاص تام، وأنفق معظم حياته بين الباحثين الغربيين وعلماء الغرب ومستشرقيه. وكان يدرك تماماً بسوء نياتهم وبغضهم وحقدهم للإسلام وأهدافهم ومقاصدهم الدنيئة المتمثلة في أسلوب دراساتهم وأبحاثهم المنقية. وقام خير قيام بالتصدي للمستشرقين والعلماء الغربيين بنفس أسلوبهم. وبذل جهده المستطاع في إعداد مقالات وبحوث وكتابات رفيعة المستوى من ناحية التحقيق العلمي تتوافق وطرازهم البحثي ومعيارهم العلمي بل ربما تفوقه. وبذلك استطاع دحض اعتراضاتهم وتحقيقاتهم الزائفة وكشف اللثام عن المفاهيم الخاطئة التي روجوها عن الإسلام ورسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) وهجومهم على مصادره حتى تجلت المآثر الإسلامية وثبت تفوق المدنية الإسلامية على الغرب وحضارته واعترفت الدنيا كلها بهذه الحقيقة الناصعة. وكان يتكلم مع علماء الغرب وباحثيه الأدعياء والمستشرقين العنيدين بلغتهم وأسلوبهم. وبجانب تضلعه باللغات الأردية والفارسية والعربية والإنجليزية بصفتها لغات أهلية له، كان يتقن أو يلم باللغات الفرنسية والألمانية، والأطالوية والتركية والروسية. وقد تعلم التايلاندية قبل وفاته بعشر سنوات، وبإلمامه باللغات المتنوعة كان له شغف زايد بمجالات علمية مختلفة مثلاً اختص بدراسة القانون الإسلامي الدولي وتدوين الفقه الإسلامي، وفقه الإمام أبى حنيفة وغيرها من الموضوعات إلا أنه كانت تتمحور مساعيه وجهوده العلمية الكبيرة حول موضوعات متصلة بالقرآن والحديث والسيرة النبوية، فقد قدم في هذه المجالات وما يتعلق بها تحقيقات سامية وكتابات مبدعة باللغات العربية والأردية والإنجليزية والفرنسية، نالت قبولاً واسعاً على الصعيد العالمي. ومن مآثره الكبيرة ترجمة معاني القرآن بالفرنسية وإعداد كتاب حافل بالفرنسية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلدين. وكان يتصل بشخصيات ومعاهد تعمل على موضوعات القرآن والسنة والسيرة النبوية حيثما وجدت، ويمدها علمياً كأنه أوجب على نفسه تشجيع أعمال كهذه أينما وُجدت.

دخول الناس علي يديه للإسلام :

أسلم على يديه أكثر من ثلاثين ألف فرنسي، حتى قال بعض المترجمين له: إنه أسلم على يديه نحو خمسين ألفًا من الفرنسيين، من بينهم بعض المفكرين والمثقفين الذين لمعت أسماؤهم على المستوى العالمي، ومن الذين ألّفوا في موضوع الكتاب المقدس والقرآن الكريم والعلم ما أقنع الإنسان العصري بأن أياً من مقولات القرآن لا يتصادم مع أي نظرية علمية حديثة.

كان الدكتور محمد حميد الله الحيدرآبادي الهندي باحثًا إسلاميًا متعمقًا ومتوسّعا في دراسة التاريخ الإسلامي والقانون الإسلامي. وقد أمضى معظم حياته العلمية في باريس: عاصمة فرنسا. وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفاته الفريدة في الموضوعات التي تعرض لها والأسلوب الذي عالجها به. وقال بعض من تحدثوا عنه أنه ألف نحو 350 كتاباً؛ ولكن قال بعضهم: إن مؤلفاته تربو على 165 مؤلفًا، كما أنه دبج أكثر من 937 مقالاً في مختلف اللغات العالمية.

وإلى جانب علمه الغزير، ومجده المؤثـل، ومكانته الكبيرة، وتفانيه في خدمة الثقافة الإسلامية بالمستوى العلمي العصري اللائق، كان مثالاً في التواضع وإنكار الذات والبساطة في المأكل والملبس، وفي جميع شؤون الحياة، فظل يخدم نفسه بنفسه لآخر لحظة من حياته، وكان يخدم الجميع بيده ولسانه ومكانته وماله و وجاهته، ويسعى لتفريج الكربة عن كل يتيم وأرملة وبائس ومحتاج للمعونة، وكان يقوم بجميع شؤونه بنفسه، فيغسل ثيابه، ويرتب أموره، ويكنس بيته، ويتكفل بتأمين حاجياته إلى أواخر سني حياته.

زهده :

وكان أزهد الناس في حب الظهور واللمعان والشهرة، حتى أنه لما رُشح لجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لعام 1414هـ / 1994م - وقد كان أحق الناس بأن ينالها ويُكْرَم بها - رفض هذا الترشيح مع احترامه لمشاعر من رشحوه لها، زهدًا منه في الشهرة والظهور والذكر الزائد، وإيثارًا منه جزاءَ الله على جزاء عباده، لأنه كان يؤمن الإيمانَ كله أن الآخرة خير له وللمؤمنين كلهم مـن الأولى وأن الآجلة أبقى من العاجلة.

عكف الدكتور محمد حميد الله رحمه الله طوال سبعين عامًا على التأليف والكتابة، مدافعًا عن قضايا الإسلام، ومُبْرِزًا النفائس العلميةَ والكنوزَ الفكريةَ، التي ظلت مختفية عن الأنظار عبر قرون طويلة. كما حقق عددًا من المؤلفات الثمينة للعلماء القدامى، وعرضها على أبناء العصر سهلة سائغة ليستفيدوا منها دونما عناء.

مؤلفاته الشهيرة:

ومن مؤلفاته الشهيرة ما يلي:
1-
القرآن الكريم وترجمة معانيه بالفرنسية، صدرت له أكثر من عشرين طبعة.
2-
نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم وحياته وأعماله، بالفرنسية في جزئين، صدرت له طبعات، آخرها طبعة 1989م.
3-
التعريف بالإسلام، بالفرنسية، صدرت له طبعات، ونقل إلى 23 لغة عالمية.
4-
ست رسائل دبلوماسية لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، بالفرنسية، صدرت بباريس عام 1986م.
5-
لماذا نصوم؟ بالفرنسية، صدر عام 1983م، و 1988م.
6-
فهرس ترجمات معاني القرآن الكريم، ألَّفه مستفيدًا من مائة وعشرين لغة، صدر بإستانبول بتركيا.
7-
تصحيح ترجمة بوسكاي لصحيح البخاري، بالفرنسية، صدر بباريس.
8-
مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة بالعربية، صدر ببيروت.

تحقيق كتب التراث:
من جملة كتب التراث التي قام بتحقيقها وإخراجها للمهتمين بالعلم هي كما يلي:
1-
كتاب الأنوار لابن قتيبة، صدر بحيدر آباد بالهند، عام 1956م.
2-
أنساب الأشراف للبلاذري، صدر عام 1959م بمصر.
3-
الذخائر والتحف للقاضي الرشيد بن الزبير، طبع بالكويت عام 1959م.
4-
مقدمة في علم السير أو حقوق الدول في الإسلام في أحكام أهل الذمة لابن القيم، صدر بدمشق عام 1961م.
5-
كتاب النبات للدينوري، صدر عام 1973م.
6-
سيرة ابن إسحاق المسماة بكتاب المبتدأ والمبعث والمغــازي، صدر بالرباط بالمغرب عام 1976م.
7-
صحيفة همام بن منبه، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1979م ببيروت، ثم صدرت له طبعات أخرى.
8-
كتاب الردة ونبذة من فتوح العراق للواقدي، صدر بباريس وبيروت عام 1989م.
9-
كتاب السير الكبير للإمام محمد بن الحسن الشيباني، صدر بحيدر آباد عام 1989م.

كما شارك في إعداد دائرة المعارف الإسلامية باللغة الأردية عام 1965م وذلك بتحرير 32 مادة، وقد صدرت في جامعة بنجاب بباكستان، وشارك في موسوعة الأطلس الكبير للأديان بالفرنسية عام 1988م بتحرير مادة «الإسلام» بالإضافة إلى مشاركته في تحرير مادة «الإسلام» أيضًا في كتاب «الدليل الديني لفرنسا» بالفرنسية، ط: هاشيت، بباريس عام 1961م.

ولكن كيف مضت الخمسون عاماً ونيف التي قضاها في باريس في جامعة السوربون؟ لقد استنفدها في سبيل الله، حيث ترجم فيها معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية وطبع من هذه الترجمة مئات الآلاف من النسخ، وقيل انه كان يدخل على يديه في المتوسط يوميا ثلاثة أشخاص طالبين الهداية بإعلان إسلامهم على يديه.

ومن كراماته في أواخر أيامه، وتحديداً بتاريخ 20 يناير 1966م حين كان عمره 88 عاماً، دخل في غيبوبة وأصيب بشلل تام وطلبت الجهات المشرفة على علاجه من اسرته الاذن بسحب أجهزة الإنعاش ليموت بهدوء، ورفضت الأسرة إعطاء ذلك الإذن. ولدهشة الأطباء فإنه استعاد نشاطه في اليوم الرابع وتناول إفطاره. ولما كان الزمان رمضان، فقد واصل صومه قائلا انه لم يفته يوم من أيام رمضان منذ أن كان في التاسعة من عمره.

ومن شقته الصغيرة في باريس واصل إنتاج مقالاته وكتبه في شتى المعارف الإسلامية. ومن مثابرته أنه صعد جبل أحد مرتين ليحدد المكان الذي استراح فيه الرسول الكريم حينما جرح في المعركة وخلص إليه فيه أنصاره، كما أنه سار من مكة المكرمة إلى حنين على قدميه مرة، وامتطى مرة أخرى ظهر حمار حتى يستوعب تجربة الصحابة في الحرب ويكتب من خلال التجربة والمعاناة.

ومن أبرز إسهامات الدكتور حميد الله تأسيسه لمبدأ الحياد في القانون الدولي الإسلامي كما أنه كان على قناعة بأن فكرة القانون الدولي مستمدة أساساً من إسهام إسلامي، كما أن له الفضل في إدخال مصطلحات جديدة في القاموس الإسلامي مثل دولة المدينة، ودستور المدينة.

ومن الدول التي كان يزورها دوماً تركيا والباكستان وماليزيا. وجمعته صداقة مودة مع الزعيم الباكستاني الراحل محمد ضياء الحق ونال أعلى جائزة ووسام من الجمهورية الباكستانية لأعماله المميزة في السيرة. وقبل بالوسام ولكنه تبرع بقيمة الجائزة وهي مليون روبية لمعهد الدراسات الإسلامية في إسلام آباد قائلا: «لو قبلت الجائزة في هذه الدنيا الفانية فماذا سأنال هناك في الدار الباقية؟» كما أنه اعتذر عن قبول عرض من رئاسة الجمهورية الباكستانية ليتفرغ للعمل كأستاذ فوق العادة في إحدى جامعاتها. وكان الدكتور حميد الله متشددا في بعض المسائل حيث كان يرفض ان تلتقط له صورة إلا لضرورة مثل إكمال الإجراءات الرسمية مثلاً، وإن كانت لديه كاميرا يصور بها المساجد والمشاهد الأثرية.

كان الدكتور حميد الله غير مسكون بالعواطف الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو القومية، حيث أن جنسيته إسلامه. وعلى رغم أنه ولد في وسط شافعي وعاش في بيئة مالكية إلا أنه مضت أكثر انجازاته العلمية في اتجاه الفقه الحنفي حيث حقق ما حقق من مخطوطات الفقهاء الأحناف، حيث أبرز كيف قنن أبو حنيفة رحمه الله الأحكام الشرعية. وأبرز أيضاً إبداعات ابن قيم الجوزية رحمه الله في القانون الدولي. وأتيح له اطلاع واسع على كتب المعتزلة أيضاً.

وظل الدكتور حميد الله مناصراً ومؤيداً لحركات التحرر الإسلامية في الجزائر وفلسطين وتونس وكذلك بالطبع لأهله في حيدرآباد.

وكان يفتي بجواز استخدام بعض الأسماء باللغات المحلية للدلالة على اسم الذات الإلهية مثل (خدا) في الأردية كما انه كان يعتقد أن اسم الحاكم في الثقافة الاسلامية غير وقفي، وإنما هو اصطلاحي يصطلح عليه الناس كالخليفة، الملك، السلطان، أمير المؤمنين، رئيس الجمهورية .. الخ. وكانت له صلات متينة بأفريقيا حيث عمل في جنوب أفريقيا رئيساً لقسم الدراسات الإسلامية في جامعة درم في ويست فالي بجنوب أفريقيا، وأسس فيها مجلة «العلم» الناطقة بالانجليزية.

عاش الدكتور حميد الله في شقته دون خادم أو تلفون أو حتى راديو أو تلفاز، ولم يسعد بشريكة حياة حيث عاش أعزب، وعزا ذلك إلى أنه كان يسعى في المرحلة الأولى من حياته لإعالة أسرته الكبيرة ولمتابعة شئونه العلمية، ثم وجد نفسه لاجئاً، وبينما هو في هذا الخضم فاته قطار الزواج، فآثر أن يشق طريقه كواحد من العزاب الذين خدموا الثقافة الإسلامية ابتداء من الغزالي وابن تيمية ومرورا بسيد قطب. وعاش الدكتور حميد الله زاهداً متنسكا مثل الصحابي الجليل أبي ذر رضي الله عنه، ... يسير وحده ويموت وحده! ومات الدكتور حميد الله ولم يخلف إلا مكتبته. ومن المفارقة الغريبة أنه سطا محتال قبل مماته بسنوات على دريهمات له كانت بحسابه في البنك. وانتهى به الحال ضيفاً على أبناء إخوانه الذين كان تولى الإنفاق على تعليمهم وتربيتهم. وحينما لفظ أنفاسه الأخيرة لم يتجاوز عدد مشيعيه الذين انزلوه إلى قبره الستين صلوا عليه ودفنوه وهو الذي ملأ الدنيا بعلمه وخدمته للملة الإسلامية. ولكنه سيظل بعد مماته يحكم العقول والقلوب بما تركه من مؤلفات ومخطوطات. وونتطلع إلى أن تصبح مكتبته العامرة وقفاً الإسلام والمسلمين.
وفي النهاية نقول:
وداعاً أيها الدكتور محمد حميد الله ... وداعاً أيها الإنسانِ العظيم ... أيها العالمِ الفذ ... يا من عرف ربه فأفني حياته في خدمة دينه ... ويا من آثر الباقي على الفاني.
وداعاً لرجل ارتفع بإيمانه الصادق فوق هذه الدنيا حقيقةًً لا كلاماً، فكان منذ عرفنَاه أكبر من هذه الدنيا، وأزهد الناس بها، في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه، وفي تواضعه، ونأيه بنفسه عما يتهافت عليه الناس، من الشهرةِ والتكريم والمكاسبِ والمناصب والمتعِ والملذات. ولو أراد شيئاً من ذلك لبلغ إلى الكثير منه دون عناء ..
وداعاً لرجل عاش في الغرب فلم يفتنه الغرب، ولم يخلف عليه لوثته، وحيثما حل وأقام أصبح منارة هادية، ودعوَة دائبة، وتعريفاً حياً بالإسلام، وفضائل ، بلسان حاله، ليس بمجرد مقاله، تعريفاً رائعاً ما يزال له في كثير من النفوسِ أجمل الآثار، وما يزال يفتح القلوب لدعوةِ الله عز وجل، ويولد لها عند المنصفين المحبةَ والإعجاب والإكبار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق